Jumat, 13 September 2024

خير علاج للوسوسة الإعراض عنها والثبات على الأعمال الصالحة

   
0 237

السؤال

أثابكم الله فضيلة الشيخ. أقيمت صلاة العشاء في المسجد الذي في حينا، ولم يكن هناك من المصلين إلا أنا ورجل آخر، فقدمني إماما و قال بما معنى كلامه أننا لم نسمع صوتك أو كما قال، وكنت أدعوه ليكون هو الإمام لكنه رفض، و أصر على أن أكون أنا الإمام. بصراحه يا شيخ أنا موسوس حيث إنني لما قرأت شعرت بأني أسمعه صوتي، وعندي وساوس في القراءة، فأفكر هل سينتبه أني موسوس أم لا. وعندما ركعت يأتي شعور بماذا سيقول بعد الصلاة عن أدائي للصلاة، وكذلك إذا لم آت ببعض السنن مثل جلسة الاستراحة وهو جاء بها أفكر ماذا سيقول بعد الصلاة، لم أخشع في الصلاة، وخطر في بالي وأنا في ركوع أن الرياء خفي، لكني يا فضيلة الشيخ عند أول سجود دعوت الله بأني قلت (( اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك وأنا أعلم ... إلى آخر الدعاء)) وأنا فضيلة الشيخ موسوس، أشعر بضيق في صدري؛ لأني واقع بين أمرين: بين أن أعيد الصلاة؛ لأني أحسست إحساسا قويا أني مراء. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى بين مدافعة الوساوس وعدم الوقوع في النهي عن أداء الصلاة مرتين في اليوم. فهل من توجيه وجزاكم الله خيرا ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن هذه الوساوس من الشيطان ليقطع عنك عبادتك، وليدخل عليك الهم والحزن، ولا علاج خير لك من الإعراض عنه، والالتجاء إلى الله أن يكف عنك شره، وإن من الإعراض عنه عدم الالتفات إلى ما وسوس به لك من إعادة الصلاة؛ فإن هذا الباب لو فتحته على نفسك لم ينغلق إلا أن يشاء الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، إن كيد الشطان كان ضعيفا، وكلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوساوس أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب. انتهى.

وقد سئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها... وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى التالية أرقامها: 51601، 134196، 70031.
 

والله أعلم.

Jumat, 30 Agustus 2024

السجود على الثوب الملبوس


من سجد على شيء من ثوبه صحت صلاته ، وهذا رأي جمهور الفقهاء ، مع الكراهة التنزيهية ، ويرى الشافعية عدم جواز السجود على شيء من ثوب الإنسان .

و السجود على أي شيء مفروش جائز ، لأن السجود على المفروش لا يخرج عن كون الفعل سجودا على الأرض.
ولا يشترط أن يكون الشيء المفروش شيئا خاصا للسجود ، فيجوز للإنسان أن يسجد على ثوبه الذي يلبسه ،وإن حكم عليه بالكراهة التنزيهية، وقد فعله النبي ﷺ . ،وهذا هو رأي جمهور الفقهاء و عبد الرحمن بن يزيد وسعيد بن المسيب والحسن وأبو بكر المزني ومكحول والزهري روى ذلك عنهم ابن أبي شيبة .، واستدلوا بحديث أنس قال : { كنا نصلي مع رسول الله ﷺ في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه } . رواه الجماعة .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو يعلى { أن : النبي ﷺ صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها }.
وأخرج الإمام أحمد وابن ماجة { أن : النبي ﷺ صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها }
وقال البخاري : قال الحسن : كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه.
وقال الإمام ابن رزين من فقهاء الحنابلة :
لو سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله , صحت الصلاة.

ولكن الإمام الشافعي رحمه الله ، حمل تفسير الحديث على الثوب المنفصل ، والرأي بعدم جواز السجود على ثوب الإنسان هو أيضا قول علي بن أبي طالب وابن عمر وعبادة بن الصامت وإبراهيم وابن سيرين وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز وجعدة بن هبيرة، واستدل الشافعية ببعض الأحاديث منها :
ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن صالح بن خيوان السبئي { أن رسول الله ﷺ رأى رجلا يسجد إلى جنبه وقد اعتم على جبهته فحسر عن جبهته } .
واستدلوا كذلك بما أخرج ابن أبي شيبة عن عياض بن عبد الله قال { رأى رسول الله ﷺ رجلا يسجد على كور العمامة فأومأ بيده : ارفع عمامتك }.
وقد حكم الأئمة بضعف هذه الأحاديث ، كما بين ذلك الإمام الشوكاني في نيل الأوطار.
و حاول الإمام الشوكاني الجمع بين الأحاديث ، فقال : ويمكن الجمع إن كان لهذه الأحاديث أصل في الاعتبار بأن يحمل حديث صالح بن خيوان وعياض بن عبد الله على عدم العذر من حر أو برد وأحاديث سجوده ﷺ على كور العمامة على العذر. انتهى

وقال الإمام ابن أبي موسى من فقهاء الحنابلة : إن سجد على قلنسوته لم يجزه قولا واحدا , وإن سجد على كور العمامة لتوقي حر أو برد : جاز قولا واحدا.
والله أعلم

حكم وجود حائل على الجبهة عند السجود

   
0 474

السؤال

سألت قبل هذا السؤال سؤالا عن حكم السجود والطاقية أو الحطة على جبيني، ولم أفهم.
سؤالي الآن نفسه : هل إذا سجدت على جبيني وعلى جبيني حطة أو طاقية لكن الطاقية سمكها معين [ لها سمك ] ولكن أستطيع أن أضغطها وأصل إلى الأرض.
فهل أسجد على الحطة ؟ أو على الطاقية ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :

فلا شك أن الأفضل هو أن تباشر السجود بجبهتك من غير وجود حائل من طاقية أو نحوها , وإن سجدت على الطاقية أو الحطة فالصلاة صحيحة في قول جمهور أهل العلم، لما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يسجدون على عمائمهم , فقد روى ابن أبي شيبة و البيهقي وصححه الألباني عن الحسن قال: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم على عمامته. اهـ , ورواه البخاري تعليقا بلفظ: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه.

قال النووي في المجموع : (فرع) في مذاهب العلماء في السجود علي كمه وذيله ويده وكور عمامته وغير ذلك مما هو متصل به: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يصح سجوده علي شيء من ذلك، وبه قال داود وأحمد في رواية، وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحق وأحمد في الرواية الأخرى يصح. قال صاحب التهذيب وبه قال أكثر العلماء. اهــ.

وبعض الفقهاء يرى الجواز مع الكراهة.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن السجود على الطاقية هل هو جائز أم غير جائز فأجاب بقوله :
 السجود على (الطاقية) وعلى الغترة وعلى الثوب الذي تلبسه مكروه؛ لأن هذا شيء متصل بالمصلي، وقد قال أنس رضي الله عنه: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) فدل هذا على أنهم لا يسجدون على ثيابهم أو على ما يتصل بهم إلا عند الحاجة، يقول: (إذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض) أما إذا لم تكن حاجة فإنه مكروه. وعلى هذا فالسجود على طرف الطاقية مكروه؛ لأنه لا حاجة إليه، فليرفع الإنسان عند السجود طاقيته، حتى يتمكن من مباشرة المصلى. أما الشيء المنفصل كأن يسجد الإنسان على سجادة أو على منديل واسع، يسع كفيه وجبهته وأنفه فإن هذا لا بأس به؛ لأنه منفصل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى على الخمرة)، وهي حصيرة صغيرة تسع كفي المصلي وجبهته. اهــ

والله تعالى أعلم.

Kamis, 18 Juli 2024

تفصيل خلاف العلماء في حكم استلحاق ابن الزنا


 192131

السؤال


في بعض الفتاوى في الموقع ذكرتم أن ابن الزنا لا ينسب إلى أبيه وأنه قول جمهور العلماء ، وفي فتاوى أخرى ذكرتم أن بإمكانه استلحاقه به ، فما الصواب في هذه المسألة ، وهل القول بجواز الاستلحاق قول معتبر يمكن الأخذ به ؟ وما الدليل على هذا القول ؟

ملخص الجواب

أن القول بالمنع والجواز قولان معتبران عند أهل العلم ، وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد ، ويبقى النظر في كل واقعة بملابساتها ، فإذا كان الولد يضيع ديناً أو دنياً فالأخذ بالقول بالاستلحاق فيه تحقيق مصلحة حفظه ، وهي مصلحة شرعية . نسأل الله السلامة والعافية .

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
من المهمات التي اعتنت بها الشريعة " النسب" وهو لحمة شرعية بين الأب وابنه تنتقل من السلف إلى الخلف ؛ ويترتب عليه الكثير من الأحكام في: الرضاع ، والنكاح ، والحضانة ، والولاية ، والنفقة ، والميراث ، والقصاص ، وحد السرقة ، والقذف ، والشهادة وغيرها .
قال الشاه ولي الله الدهلوي : " اعْلَم أَن النّسَب أحد الْأُمُور الَّتِي جُبل على محافظتها الْبشر، فَلَنْ ترى إنْسَانا فِي إقليم من الأقاليم الصَّالِحَة لنشء النَّاس إِلَّا وَهُوَ يحب أَن ينْسب إِلَى أَبِيه وجده ، وَيكرهُ أَن يقْدَح فِي نسبته إِلَيْهِمَا... فَمَا اتّفق طوائف النَّاس على هَذِه الْخصْلَة إِلَّا لِمَعْنى فِي جبلتهم ، ومبنى شرائع الله على إبْقَاء هَذِه الْمَقَاصِد الَّتِي تجْرِي بجري الجبلة " انتهى من "حجة الله البالغة" (2/ 222).
وقال ابن القيم : " إثْبَاتَ النَّسَبِ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ ، وَحَقٌّ لِلْوَلَدِ ، وَحَقٌّ لِلْأَبِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ مَا بِهِ قِوَامُ مَصَالِحِهِمْ ، فَأَثْبَتَهُ الشَّرْعُ بِأَنْوَاعِ الطُّرُقِ الَّتِي لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا نِتَاجُ الْحَيَوَانِ" انتهى من "الطرق الحكمية" (ص: 191)
وقد اتفق العلماء على أن الفراش هو الأصل في ثبوت النسب ، والمراد بالفراش : الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة .
قال الشيخ عبد الوهاب خلاف : " المراد شرعاً بالفراش : الزوجية القائمة حين ابتداء الحمل ، فمن حملت وكانت حين حملت زوجة يثبت نسب حملها من زوجها الثابتة زوجيتها به حين حملت، من غير حاجة إلى بينة منها، أو إقرار منه، وهذا النسب يعتبر شرعا ثابتا بالفراش". انتهى من "أحكام الأحوال الشخصية" (ص: 186)
قال ابن القيم : " فَأَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ فَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ ". انتهى من "زاد المعاد" (5/368).
وقال ابن الأثير : " وإثبات، النسب وإلحاقه بالفراش المستند إلى عقد صحيح أو ملك يمين، مذهب جميع الفقهاء ، لم يختلف فيه أحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المجتهدين وغيرهم " انتهى من "الشافي في شرح مسند الشافعي" (5/49)
واختلف العلماء في الزاني إذا أراد استلحاق ابنه من الزنا به ، هل يثبت نسبه له شرعاً أم لا ؟

 

ثانياً :
لمسألة استلحاق الزاني لابنه من الزنا صور:
الأولى :
أن تكون المرأة المزني بها ذات فراش ، أي متزوجة ، وأتت بولد بعد ستة أشهر من زواجها ، ففي هذه الحال ينسب الولد إلى الزوج ، ولا ينتفي عنه إلا بملاعنته لزوجته.
ولو ادعى رجل آخر أنه زنى بهذه المرأة وأن هذا ابنه من الزنا ، لم يلتفت إليه بالإجماع ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457).
قال ابن قدامة : " وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا وُلِدَ عَلَى فِرَاشٍ رَجُلٍ ، فَادَّعَاهُ آخَرُ : أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ " انتهى من "المغني" (9/123) .

 

الثانية :
أن لا تكون المرأة ذات فراش ، ولا يستلحقه الزاني به ، ولا ادَّعي أنه ابنه من الزنا ، ففي هذه الحال لا يُلحق به أيضاً قولاً واحداً .
فلم يقل أحد من أهل العلم بإلحاق ولد الزنا بالزاني من غير أن يدعيه الزاني.
وقد أشار الماوردي في "الحاوي الكبير" (8/455) إلى " إِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالزِّنَا".
أي إذا لم يدعه .

الصورة الثالثة :
إذا لم تكن المرأة فراشاً لأحد ، وأراد الزاني استلحاق هذا الولد به .
فهذه الصورة محل الخلاف بين العلماء.
قال ابن قدامة : " وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وُلِدَ عَلَى غَيْرِ فِرَاشٍ " .
انتهى من "المغني" (9/123).
وهي مسألة مهمة جداً كما قال ابن القيم: " هَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَلِيلَةٌ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا " انتهى من "زاد المعاد" (5/381).

ثالثاً:
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين :
الأول : أن ابن الزنا لا يُنسب إلى الزاني ولو ادعاه واستلحقه به .
وهو قول عامة العلماء من المذاهب الأربعة والظاهرية وغيرهم .
ينظر: "المبسوط" للسرخسي (17/154) ، "بدائع الصنائع" للكاساني (6/243) ، "المدونة" (2/556) ، "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (3/20) ، " المغني" (6/228) ، "المحلى" (10/142).
وبناء على هذا القول : فإن ولد الزنا – ذكرا كان أو أنثى – لا ينسب إلى الزاني ، ولا يقال إنه ولده ، وإنما ينسب إلى أمه ، وهو محرَم لها ، ويرثها كبقية أبنائها .
قال ابن قدامة المقدسي : " وَوَلَدُ الزِّنَى لَا يَلْحَقُ الزَّانِيَ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ ".
انتهى من " المغني " (9/123) .
وعلى هذا القول فتوى الشيخ ابن إبراهيم كما في "فتاواه " (11/146) ، والشيخ ابن باز كما في "مجموع فتاواه" (28/ 124) ، رحمة الله عليهما .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (20/387 ) : " الصحيح من أقوال العلماء أن الولد لا يثبت نسبه للواطئ إلا إذا كان الوطء مستنداً إلى نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة أو ملك يمين أو شبهة ملك يمين ، فيثبت نسبه إلى الواطئ ويتوارثان ، أما إن كان الوطء زنا فلا يلحق الولد الزاني ، ولا يثبت نسبه إليه ، وعلى ذلك لا يرثه " . انتهى .

القول الثاني : أن الزاني إذا استلحق ولده من الزنا فإنه يلحق به .
وهو قول عروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار، والحسن البصري ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، وإسحاق بن راهويه، كما نقله عنهم ابن قدامة في "المغني" (9/123).
وروى الدارمي في "السنن" (3106) عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: " أَيُّمَا رَجُلٍ أَتَى إِلَى غُلَامٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنٌ لَهُ وَأَنَّهُ زَنَى بِأُمِّهِ ، وَلَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ الْغُلَامَ أَحَدٌ : فَهُوَ يَرِثُهُ ".
قَالَ بُكَيْرٌ : وَسَأَلْتُ عُرْوَةَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ " .
قال ابن القيم : " كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْمَوْلُودَ مِنَ الزِّنَى إِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْلُودًا عَلَى فِرَاشٍ يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ ، وَادَّعَاهُ الزَّانِي : أُلْحِقَ بِهِ ... وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، رَوَاهُ عَنْهُ إسحاق بِإِسْنَادِهِ فِي رَجُلٍ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا، فَادَّعَى وَلَدَهَا فَقَالَ: يُجْلَدُ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ.
وَهَذَا مَذْهَبُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ". انتهى من "زاد المعاد" (5/381)
قال ابن قدامة : " وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : لَا أَرَى بَأْسًا إذَا زِنَى الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ ، أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَعَ حَمْلهَا ، وَيَسْتُرَ عَلَيْهَا ، وَالْوَلَدُ وَلَدٌ لَهُ ". انتهى من "المغني" (9/123).
واختار هذا القول : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وتلميذه ابن القيم .
قال ابن مفلح رحمه الله : " واختار شيخنا أنه إن استلحق ولده من زنا ولا فراش : لحقه " انتهى من "الفروع" (6/625).
ونسبه إليه البعلي في "الاختيارات الفقهية" صـ 477 .
وقال المرداوي : " وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ من الزنى وَلَا فِرَاشَ: لَحِقَهُ.
وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فيها : لَا يَلْحَقُهُ .
وقال في الِانْتِصَارِ في نِكَاحِ الزَّانِيَةِ يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فيه ، وقال في الِانْتِصَارِ أَيْضًا : يَلْحَقُهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ ، وَذَكَرَ أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ مِثْلَ ذلك ".
انتهى من "الإنصاف" (9/269) .
واختاره أيضاً من المعاصرين : الشيخ محمد رشيد رضا في "تفسير المنار" (4/382)، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ، كما في "الشرح الممتع" (12/127).

رابعاً : استدل جمهور العلماء على عدم لحوق ولد الزنى بالزاني :
1- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) ، متفق عليه .
ووجه الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل ولداً لغير الفراش ، كما لم يجعل للعاهر سوى الحجر ، وإلحاق ولد الزنا بالزاني إلحاق للولد بغير الفراش .
فقوله (الولد للفراش ) يقتضي حصر ثبوت النسب بالفراش.
قال الكاساني : " النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخْرُج الْكَلَامَ مُخْرَجَ الْقِسْمَةِ ، فَجَعَلَ الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَالْحَجْرَ لِلزَّانِي ، فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ لِمَنْ لَا فِرَاشَ لَهُ ، كَمَا لَا يَكُونُ الْحَجْرُ لِمَنْ لَا زِنَا مِنْهُ ، إذْ الْقِسْمَةُ تَنْفِي الشَّرِكَةَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَنَفَاهُ عَنْ الزَّانِي بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : (وَلِلْعَاهِرِ الْحَجْرُ) لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُسْتَعْمَلُ فِي النَّفْيِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ جِنْسِ الْوَلَدِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ ، فَلَوْ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدٍ لِمَنْ لَيْسَ بِصَاحِبِ الْفِرَاشِ لَمْ يَكُنْ كُلُّ جِنْسِ الْوَلَدِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ ، فَعَلَى هَذَا إذَا زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الزَّانِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لِانْعِدَامِ الْفِرَاشِ .
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي جَانِبِهَا يَتْبَعُ الْوِلَادَةَ ".
انتهى من "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (6/242) .
وقال أبو بكر الجصاص: "وقوله: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) قد اقتضى معنيين:
أحدهما: إثبات النسب لصاحب الفراش .
والثاني: أن من لا فراش له فلا نسب له ؛ لأن قوله "الولد" اسم للجنس، وكذلك قوله "الفراش" للجنس، لدخول الألف واللام عليه ، فلم يبق ولد إلا وهو مراد بهذا الخبر، فكأنه قال: لا ولد إلا للفراش" انتهى من "أحكام القرآن" (5/159).
وقال ابن حزم الظاهري : " نفى صلى الله عليه وسلم أولاد الزنى جملة بقوله عليه الصلاة والسلام " وللعاهر الحجر " ، فالعاهر - أي الزاني - عليه الحد فلا يلحق به الولد ، والولد يلحق بالمرأة إذا أتت به ، ولا يلحق بالرجل ، ويرث أمه وترثه ، لأنه عليه الصلاة والسلام ألحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل " انتهى من "المحلى" (10/322).
وقال ابن عبد البر: " البيان من الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في أن العاهر لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا ، وأن الولد للفراش على كل حال ، والفراش : النكاح ، أو ملك اليمين لا غير .
أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - أنه لا يلحق بأحد ولد يستلحقه إلا من نكاح أو ملك يمين ، فإذا كان نكاح أو ملك فالولد للفراش على كل حال ".
انتهى من "الاستذكار" (2/167).

2- واستدلوا بما رواه أحمد (6660) ، وأبو داود (2265) ، وابن ماجه (2746) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى : ( أَيُّمَا مُسْتَلْحَقٍ اسْتُلْحِقَ بَعْدَ أَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ ادَّعَاهُ وَرَثَتُهُ ، قَضَى :
إِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ تَزَوَّجَهَا أَوْ مِنْ أَمَةٍ يَمْلِكُهَا فَقَدْ لَحِقَ بِمَا اسْتَلْحَقَهُ .
وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ عَاهَرَ بِهَا : لَمْ يَلْحَقْ بِمَا اسْتَلْحَقَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ الَّذِي يُدْعَى لَهُ هُوَ ادَّعَاهُ ، وَهُوَ ابْنُ زِنْيَةٍ لِأَهْلِ أُمِّهِ مَنْ كَانُوا حُرَّةً أَوْ أَمَةً) واللفظ لأحمد.
والحديث حسنه : البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/93) ، والشيخ الألباني، ومحققو المسند ، وصححه الشيخ أحمد شكر .
ففي هذا الحديث دلالة على أن من استلحق ولداً من الزنا – بحرة أو أمة -: لم يلحق به، وإنما ينسب لأمه .
قَالَ الْخَطَّابِيّ موضحا المقصود من الحديث : " هَذِهِ أَحْكَامٌ قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أوائل الإسلام ومبادىء الشَّرْعِ وَهِيَ:
أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ وَاسْتَلْحَقَ لَهُ وَرَثَتُهُ وَلَدًا : فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي يدَّعى الْوَلَدَ لَهُ وَرَثَتُهُ قَدْ أَنْكَرَ أَنَّهُ مِنْهُ : لَمْ يَلْحَقْ بِهِ وَلَمْ يَرِثْ مِنْهُ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْكَرَهُ : فَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَتِهِ : لَحِقَهُ ، وَوَرِثَ مِنْهُ مَا لَمْ يُقْسَمْ بَعْدُ مِنْ مَالِهِ ، وَلَمْ يَرِثْ مَا قُسِمَ قَبْلَ الِاسْتِلْحَاقِ .
وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةِ غَيْرِهِ ... أَوْ مِنْ حُرَّةٍ زَنَى بِهَا : لَا يَلْحَقُ بِهِ وَلَا يَرِثُ ، بَلْ لو استلحقه الواطىء لم يلحق به ، فإن الزنى لَا يُثْبِتُ النَّسَبَ" .
انتهى نقلا عن "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" للبيضاوي (2/408).
وهذا الدليل هو أقوى ما يستدل به أصحاب هذا القول ، فهو صريح في أن الزاني إذا استلحق ابناً له من الزنا لا يلحقه .
حتى قال ابن القيم : " إِنْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ ، وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ".
انتهى من "زاد المعاد" (5/384).

3- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا مُسَاعَاةَ فِي الْإِسْلَامِ ، مَنْ سَاعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ لَحِقَ بِعَصَبَتِهِ ، وَمَنْ ادَّعَى وَلَدًا مِنْ غَيْرِ رِشْدَةٍ : فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ) رواه أبو داود في سننه (2264) .
" ( لَا مُسَاعَاة فِي الْإِسْلَام ) الْمُسَاعَاة الزِّنَا ، وَكَانَ الْأَصْمَعِيّ يَجْعَلهَا فِي الْإِمَاء دُون الْحَرَائِر لِأَنَّهُنَّ كُنَّ يَسْعَيْنَ لِمَوَالِيهِنَّ فَيَكْسِبْنَ لَهُمْ بِضَرَائِب كَانَتْ عَلَيْهِنَّ .
قَالَ فِي مَعَالِم السُّنَن : إِنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ لَهُمْ إِمَاء يُسَاعِينَ وَهُنَّ الْبَغَايَا اللَّوَاتِي ذَكَرهنَّ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِذَا كَانَ سَادَتهنَّ يُلِمُّونَ بِهِنَّ وَلَا يَجْتَنِبُوهُنَّ ، فَإِذَا جَاءَتْ إِحْدَاهُنَّ بِوَلَدٍ وَكَانَ سَيِّدهَا يَطَؤُهَا وَقَدْ وَطِئَهَا غَيْره بِالزِّنَا فَرُبَّمَا اِدَّعَاهُ الزَّانِي وَادَّعَاهُ السَّيِّد ، فَحَكَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَمَة فِرَاش السَّيِّد كَالْحُرَّةِ وَنَفَاهُ عَنْ الزَّانِي .
وقوله (وَلَدًا مِنْ غَيْر رِشْدَة ) : يُقَال هَذَا وَلَد رِشْدَة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح ، مَنْ كَانَ بِنِكَاحٍ صَحِيح ، وَوَلَد زِنْيَة مَنْ كَانَ بِضِدِّهِ " انتهى ملخصا من "عون المعبود" (6/ 353) .
لكن الحديث ضعيف ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : "فِي إِسْنَاده رَجُل مَجْهُول" .
وقال ابن القيم : " وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ ، فَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ ".
انتهى من " زاد المعاد " (5/382).
وضعفه : الشيخ أحمد شاكر والألباني أيضاً. ينظر: "مسند أحمد" (5/139) ، "ضعيف أبي داود" (2264).
4- أن هذا هو الذي جرى عليه عمل المسلمين في العصور المتقدمة .
قال الإمام أبو يوسف : " وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَجَمَ غَيْرَ وَاحِدٍ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهَ عَنْهُمَا وَالسَّلَفِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْحُدُودَّ عَلَى الزُّنَاةِ ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مَنْهُمْ أَنَّهُ قَضَى مَعَ ذَلِكَ بِمَهْرٍ ، وَلَا أَثْبَتَ مِنْهُ نَسَبَ الْوَلَدِ" انتهى من "الرد على سير الأوزاعي" (ص: 51) .

خامساً : استدل من قال بإلحاق ابن الزنا به إذا استلحقه:
1-أن هذا الطفل متولد من مائه ، فهو ابنه قدراً وكوناً ، ولا يوجد دليل شرعي صحيح صريح يمنع من إلحاق نسبه به .
قال الشيخ ابن عثيمين : " الولد للزاني ، وذلك لأن الحكم الكوني الآن لا يعارضه حكم شرعي فكيف نلغي هذا الحكم الكوني ، مع أننا نعلم أن هذا الولد خلق من ماء هذا الرجل ؟ فإذا استلحقه وقال هو ولده فهو له ...
وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء ، يلحقونه ويقولون : إن هذا الولد ثبت كونه للزاني قدراً ، ولم يعارضه حكم شرعي ، فلا نهمل الحكم القدري بدون معارض ، أما لو عارضه الحكم الشرعي فمعلوم أن الحكم الشرعي مقدم على الحكم القدري " انتهى من "فتح ذي الجلال" (12/318) .

وأما حديث : (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) فهو وارد في حال وجود الفراش ، ومسألتنا في حال عدم وجود الفراش .
قال شيخ الإسلام : " فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا : لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/ 113) .
فقد حكم بذلك صلى الله عليه وسلم عند تنازع الزاني وصاحب الفراش كما ذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (5/ 8174).
ونقل ابن القيم عن إسحاق بن راهويه أنه : " أُوَّلَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) عَلَى أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ عِنْدَ تَنَازُعِ الزَّانِي وَصَاحِبِ الْفِرَاشِ" .
انتهى من "زاد المعاد" (5/381) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) جملتان متلازمتان ، فيما إذا كان عندنا فراش وعاهر" .
انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 308) .
وفي هذه المسألة لا ينازع الزاني أحد في نسب هذا الولد .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر) يدل أن هناك رجلين ، زان وصاحب فراش كل واحد منهما يدعي أن الولد له ، صاحب الفراش يقول: هذا ولدي ولد على فراشي ، والزاني يقول: هذا ولدي خلق من مائي ، فهنا نغلب جانب الشرع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) .
أما إذا كان الزاني لا ينازعه أحد في ذلك، يعني: زنا بامرأة بكر -مثلاً- أو امرأة ليس لها زوج ولم يدّعِ أحدٌ هذا الولد وقال الزاني: إنه ولدي فهو له " .
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (63/ 21، بترقيم الشاملة آليا).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الجمهور على أنه عام ، وأنه لا حق للزاني في الولد الذي خلق من مائه ، وذهب بعض العلماء إلى أن هذا خاص في المخاصمة، يعني إذا تخاصم الزاني وصاحب الفراش قضينا به لصاحب الفراش ، أما إذا كان لا منازع للزاني ، واستلحقه فله ذلك ويلحق به ، وهذا القول هو الراجح المناسب للعقل، وكذلك للشرع عند التأمل" انتهى من "الشرح الممتع " (12/127).
وقال الإمام أحمد في رواية أبي الحارث: في رجل غصب رجلا على امراته فأولدها ، ثم رجعت إلى زوجها وقد أولدها .
قال : " لا يلزم زوجها الأولاد ، وكيف يكون الولد للفراش في مثل هذا ، وقد علم أن هذه في منزل رجل أجنبي وقد أولدها في منزله ، إنما يكون الولد للفراش إذا ادعاه الزوج ، وهذا لا يدعى : فلا يلزمه". انتهى من "بدائع الفوائد" (4/120).
واعتبار الألف واللام في الحديث للجنس كما قال الجصاص ، متنازع فيه ، فقد مال الزرقاني إلى أنها للعهد ، فقال: " أل للعهد ، أي الولد للحالة التي يمكن فيها الافتراش ". شرح الزرقاني على الموطأ (4/25).

وأما حديث : (وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ عَاهَرَ بِهَا : لَمْ يَلْحَقْ بِمَا اسْتَلْحَقَهُ ...).
فهذا الحديث مداره على عمرو بن شعيب يرويه عن أبيه عن جدة ، وهذه سلسلة اختلف المحدثون فيها كثيراً ، وهو وإن كان الأرجح تحسين حديثه إن كان الراوي عنه ثقة إلا أن تفرده بمثل هذا الحديث الذي يعد أصلاً في بابه يدعو للتوقف في قبول روايته .
قال الإمام أحمد : " أَصْحَابُ الحَدِيْثِ إِذَا شَاؤُوا: احْتَجُّوا بِحَدِيْثِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَإِذَا شَاؤُوا: تَرَكُوْهُ ".
انتهى من "سؤالات أبي دواد للإمام أحمد" ص230.
أي أنهم لا يحتجون به مطلقاً ، ولا يردون حديثه مطلقا ، بل بحسب حال كل حديث .
قال الذهبي: " هَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى أَنَّهُم يَتَرَدَّدُوْنَ فِي الاحْتِجَاجِ بِهِ ، لاَ أَنَّهُم يَفْعَلُوْنَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيْلِ التَّشَهِّي" انتهى من "سير أعلام النبلاء" (5/167).
ثم إن الرواة له عن عمرو بن شعيب : ضعفاء ومتكلم فيهم ، وأمثلهم رواية : محمد بن راشد يرويه عن سليمان بن موسى ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .
وفي كلٍ من : محمد بن راشد ، وسليمان بن موسى ، نزاع بين أهل الحديث :
أما محمد بن راشد المكحولي الشامي ، فوثقه الإمام أحمد ، وابن معين ، وابن المديني، وغيرهم.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال شعبة: "ما كتبت عنه ، أما إنه صدوق ، ولكنه شيعي أو قدري".
وقال ابن حبان : "كان من أهل الورع والنسك ، ولم يكن الحديث من صنعته ، وكثرت المناكير في روايته فاستحق الترك ".
وقال الدارقطني: "يعتبر به".
وقال ابن عدي : " وليس برواياته بأس ، إذا حدث عنه ثقة فحديثه مستقيم ".
وفي التقريب : " صدوق يهم ، ورمي بالقدر".
وقال البيهقي : " مُحَمَّد بن رَاشد ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث". انتهى من "البدر المنير" (8 /430).
ينظر: "تاريخ ابن معين" - رواية الدوري - (4 / 465)، "الجرح والتعديل" (7/253) ، "الضعفاء الكبير" للعقيلي (7/440)، "الكامل في الضعفاء" (6/202) ، "ميزان الاعتدال" (3/543) ، "تهذيب التهذيب" (9/140).
وأما الراوي الثاني المتكلم فيه فهو سليمان بن موسى القرشي الأموي الأشدق، فقيه أهل الشام في زمانه .
وقد وثقه دُحَيم ، ويحيى بن معين ، والدارقطني ، وابن سعد وابن حبان .
قال ابن عَدي : "وسليمان بن موسى فقيهٌ راوٍ حدَّث عنه الثقات ، وهو أحد علماء أهل الشام ، وقد روى أحاديث ينفرد بها لا يرويها غيره ، وهو عندي ثبت صدوق ".
ومن العلماء من غمز في ضبطه وإتقانه .
قال أبو حاتم: "محله الصدق، وفى حديثه بعض الاضطراب".
وقال البخاري: "عنده مناكير".
وقال " "سليمان بن موسى منكر الحديث ، أنا لا أروي عنه شيئا ، روى سليمان بن موسى أحاديث عامتها مناكير". انتهى من "علل الترمذي الكبير" (1/93) .
وقال النسائي: "أحد الفقهاء، وليس بالقوي في الحديث".
وقال ابن حجر في التقريب: " صدوق فقيه في حديثه بعض لين ، وخولط قبل موته بقليل".
ينظر: "الكاشف" (1/464) ، "تهذيب التهذيب" (4/198) ، "مغانى الأخيار" (1/477)
وقال المنذري : " رَوى عن عَمرو هذا الحديث ، محمد بن راشد ، وفيه مقال " .
انتهى من "عون المعبود" (6/255) .
والحاصل :
أن الحديث لا يخلو من مغمز فيه ، ولذلك قال ابن القيم : " لأهل الحديث في إسناده مقال ؛ لأنه من رواية محمد بن راشد المكحولي". انتهى من "زاد المعاد" (5/383) .
ومثل هذا الحديث الذي ينفرد بروايته مثل هؤلاء الرواة الذين لم يبلغوا شأواً عالياً في الضبط والإتقان ، ولم يتابعهم على روايته أحد من المشهود لهم بهذا الفن ، مع أهمية الموضوع الذي يتضمنه الحديث : لا يرقى لدرجة الحجية .
ولذلك قال البيهقي: " مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ وَإِنْ كُنَّا نَرْوِى حَدِيثَهُ لِرِوَايَةِ الْكِبَارِ عَنْهُ ، فَلَيْسَ مِمَّنْ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ ". انتهى من "سنن البيهقي" (2/483).
قال ابن رجب: " أما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث - إذا تفرد به واحد - وإن لم يرو الثقات خلافه : إنه لا يتابع عليه ، ويجعلون ذلك علةً فيه ، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ، ولهم في كل حديث نقد خاص".
انتهى من "شرح علل الترمذي" لابن رجب (1/216).
والحديث أخرجه عبد الرزاق أيضاً في المصنف (10/289) عن ابن جريج قال: قال عمرو بن شعيب : ( وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل مستلحق ....).
ولكن قال أبو بكر الأثرم : " قال لي أبو عبد الله: إذا قال ابن جريج قال فلان وقال فلان، وأخبرت ، جاء بمناكير ، فإذا قال أخبرني وسمعت فحسبك به " .
انتهى من "تاريخ بغداد" (10/405).
وقال أبو الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل : " إذا قال ابن جريج قال ، فاحذره ، وإذا قال سمعت أو سألت جاء بشيء ليس في النفس منه شيء ".
انتهى من "تهذيب الكمال" (18/348).

2- أن عمر بن الخطاب ألحق أولادا ولدوا في الجاهلية بآبائهم .
فروى مالك في " الموطأ " (1451) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ .
وفي سنده انقطاع فسليمان بن يسار لم يدرك عمر رضي الله عنه .
قال الباجي : " يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُلْحِقُهُمْ بِهِمْ وَيَنْسُبُهُمْ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا لِزِنْيَةٍ ".
انتهى من "المنتقى شرح الموطأ" (6/11) .
قال ابن عبد البر: " هذا إذا لم يكن هناك فراش ؛ لأنهم كانوا في جاهلتهم يسافحون ويناكحون وأكثر نكاحاتهم على حكم الإسلام غير جائزة ".
انتهى من "التمهيد" (8/183) .
والمنازعون في هذا يقولون : هذا خاص بأهل الجاهلية فلا يلحق بهم غيرهم .
قال ابن عبد البر: " إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يليط أولاد الجاهلية بمن استلاطهم ويلحقهم بمن استلحقهم إذا لم يكن هناك فراش ؛ لان أكثر أهل الجاهلية كانوا كذلك
وأما اليوم في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته وأكمل دينه ، فلا يلحق ولد من زنا بمدعيه أبدا عند أحد من العلماء كان هناك فراش أولم يكن".
انتهى من "الاستذكار" (7/164).
وقال : " هذا منه كان خاصاً في ولادة الجاهلية حيث لم يكن فراش ، وأما في ولادة الإسلام فلا يجوز عند أحد من العلماء أن يلحق ولد من زنا ".
انتهى من "الاستذكار" (7/172) [ نفي ابن عبد البر وجود الخلاف محل نظر كما لا يخفى ].
وقال الماوردي : " وَالْعِهَارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَخَفُّ حُكْمًا مِنَ الْعِهَارِ فِي الْإِسْلَامِ ".
انتهى من "الحاوي الكبير" (8/456).
وذهب جمهرة من المالكية إلى أن الحكم يشمل كل من دخل في الإسلام
قال الباجي : " رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي جَمَاعَةٍ يُسْلِمُونَ فيستلحقون أَوْلَادًا مِنْ زِنًى ، فَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا وَلَمْ يَدَّعِهِمْ أَحَدٌ لِفِرَاشٍ فَهُمْ أَوْلَادُهُمْ
قَالَ : وَمَنْ ادَّعَى مِنْ النَّصَارَى الَّذِينَ أَسْلَمُوا أَوْلَادًا مِنْ الزِّنَا فَلْيُلَاطُوا بِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الزِّنَا فِي دِينِهِمْ فَجُعِلَ ذَلِكَ بِاسْتِحْلَالِهِمْ الزِّنَا .
وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَسْلَمَ الْيَوْمَ فَاسْتَلَاطَ وَلَدًا بِزِنًا فِي شِرْكِهِ فَهُوَ مِثْلُ حُكْمِ مَنْ أَسْلَمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ " انتهى من "المنتقى شرح الموطأ" (4/31) .
وقال ابن العربي : " قال علماؤنا: كان أولئك أولاد لزَنْيَةٍ [ أي الذين ألحقهم عمر بآبائهم ] ، وكذلك السُّنَّةُ اليومَ فيمن أسلمَ من النَّصَارى واليهود، ثمّ ادَّعَى ولدًا كان من زنا في حال نصرانيَّتِه ، أنّه يُلحَق به إذا كان مجذوذَ النَّسَبِ ، لا أَبَ لهَ ولا فِرّاشَ فيه ".
انتهى من "المسالك في شرح موطأ مالك" (6/383) .
والتفريق بين أمر الجاهلية والإسلام : غير ظاهر؛ لأن النسب أمر قدري كوني بغض النظر عن اعتقاد الزاني .
وإلحاق ولد الزنا بأبيه إذا استلحقه حكم لا يختلف في جاهلية ولا إسلام ، ولا فرق فيه بين معذور وغيره .

3- يشهد لما سبق من جواز الإلحاق ما جاء في قصة جريج العابد ، لما قال للغلام الذي زنت أمه بالراعي : (قالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ ، قَالَ : الرَّاعِي...) متفق عليه .
فكلام الصبي كان على وجه الكرامة وخرق العادة من الله ، وقد أخبر أن الراعي أبوه ، مع أن العلاقة علاقة زنى ؛ فدل على إثبات الأبوة للزاني .
قال ابن القيم: " وَهَذَا إِنْطَاقٌ مِنَ اللَّهِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَذِبُ ".
انتهى من" زاد المعاد" (5/382).
وقال القرطبي : " النبي صلى الله عليه وسلم قد حكى عن جريج أنه نسب ابن الزنى للزاني ، وصدَّق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق الصبي بالشهادة له بذلك ، وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن جريج في معرض المدح وإظهار كرامته ، فكانت تلك النسبة صحيحة بتصديق الله تعالى وبإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فثبتت البنوة وأحكامها".
انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (5/115).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن ولد الزنى يلحق الزاني؛ لأن جريجاً قال: من أبوك؟ قال: أبي فلان الراعي، وقد قصها النبي صلى الله عليه وسلم علينا للعبرة، فإذا لم ينازع الزاني في الولد واستلحق الولد فإنه يلحقه ، وإلى هذا ذهب طائفة يسيرة من أهل العلم ". انتهى من "شرح رياض الصالحين" (3/75) .
4- القياس .
قال ابن القيم : " الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ يَقْتَضِيهِ ، فَإِنَّ الْأَبَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ ، وَهُوَ إِذَا كَانَ يُلْحَقُ بِأُمِّه ِ، وَيُنْسَبُ إِلَيْهَا ، وَتَرِثُهُ وَيَرِثُهَا ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَارِبِ أُمِّهِ مَعَ كَوْنِهَا زَنَتْ بِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ الْوَلَدُ مِنْ مَاءِ الزَّانِيَيْنِ ، وَقَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ ابْنُهُمَا ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ لُحُوقِهِ بِالْأَبِ إِذَا لَمْ يَدِّعِهِ غَيْرُهُ ؟
فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ". انتهى من "زاد المعاد" (5/381).

5- أن هذا القول تترتب عليه مصالح كثيرة ومنها :
* أن الشارع يتشوف لحفظ الأنساب ورعاية الأولاد ، والقيام عليهم بحسن التربية والإعداد ، وحمايتهم من التشرد والضياع .
قال الشيخ ابن عثيمين : "والشارع له تشوف إلى إلحاق الناس في أنساب معلومة". انتهى من "الشرح الممتع" (15/501).
وقال أيضاً : " أما إذا لم يكن له منازع واستلحقه فإنه يلحقه ؛ لأنه ولده قدراً ، فإن هذا الولد لا شك أنه خلق من ماء الزاني فهو ولده قدراً ، ولم يكن له أب شرعي ينازعه ، وعلى هذا فيلحق به.
قالوا : وهذا أولى من ضياع نسب هذا الولد ؛ لأنه إذا لم يكن له أب ضاع نسبه، وصار ينسب إلى أمه ". انتهى من "شرح رياض الصالحين" (3/75).
"وفي نسبة ولد الزنا إلى أبيه تحقيق لهذه المصلحة ، خصوصًا أن الولد لا ذنب له ، ولا جناية حصلت منه ، ولو نشأ من دون أب ينسب إليه ويعني بتربيته والإنفاق عليه لأدى ذلك في الغالب إلى تشرده وضياعه وانحرافه وفساده ، وربما نشأ حاقدًا على مجتمعه ، مؤذيًا له بأنواع الإجرام والعدوان " ينظر: "فقه الأسرة عند ابن تيمية" (2/759).
* أن في هذا القول حثًا للزاني على نكاح من زنا بها وإعفافها، وستر أهلها وولدها.
* وفيه حل لمشكلة هؤلاء الأولاد الناتجين من الزنا، فلا يشعرون بأنهم ولدوا في الحرام والظلام ، ولا يحسون بالقهر والظلم إثر ما وقع عليهم ، فينشئون مع إخوانهم من النكاح الصحيح نشأة صالحة ، وينتسبون إلى أسرة يهمهم سمعتها ، والمحافظة على شرفها وكرامتها.
* ومن الآثار المحتملة بل الواقعة غالباً : سهولة انحراف مجهول النسب ، في حبائل الفساد والرذيلة والشرور التي تتعدى إلى المجتمع بأكمله !
وقد ذكر عدد من المختصين في دور رعاية اللقطاء : أن هذه الفئة - وبنسبةٍ غالبة - مقارنةً بغيرهم ، ينشأون وهم ينقمون على مجتمعهم ، لذلك يسهل لديهم الوقوع في الجـريمة .
* فيه تحقيق لمقصد تخفيف الشر: فإن في استلحاق ولد الزنا تخفيف لآثار الجريمة التي وقع فيها الزاني ، فالزنا فاحشةٌ محرمةٌ وتزداد فحشاً وقبحاً كلما تعدى أثرها إلى غير الزاني والزانية ؛ فالزنا بالمتزوجة أو بحليلة الجار أشد قبحاً من الزنا بغيرها، والزنا الذي يترتب عليه حَمْلٌ أعظم خطراً من الذي لا ينتج عنه حَمْل؛ ومن ترميم بعض آثار الزنا استلحاق ولد الزنا.
* في هذا القول تحقيق لمبدأ العــدل الذي أمر الله به ومن العدل الذي جاءت به شريعةُ الله ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ، فهذا الولد الناتج من هذه الممارسة الخاطئة لا ذنب له ولا جريرة ، وفي نفي النسب عنه من أبيه إذا استلحقه عقوبة له بأمر لم يكن له فيه يد .
* ومن مبدأ العدل استواء العقوبة بين الرجل والمرأة : فإنه من القواعد المُـقررةِ في الشـريعة استواء العقاب بين أهل الجريمة إذا كانت المقارَفة لها على حدٍ سواء.
* أن هذه المشكلة موجودة بكثرة بين المسلمين الجدد ، فيسلم أحدهم مع خليلته وهي حامل منه من الزنا، وهو يرغب نكاحها واستلحاق ولده منها، وقد يكون له علاقة محرمة بزوجته قبل أن يتزوجها، وله أولاد منها من الزنا، وأولاد آخرون بعد نكاحها، فيقع في ورطة لا يحلها إلا الستر عليه ، وإلحاق أولاده من الزنا به.
* أن في هذا القول ترغيبًا لمن يريد الدخول في الإسلام ممن ابتلي بهذه البلية ، ولو قيل لأحدهم: إن أولادك من الزنا الذين يعيشون في كنفك وينتسبون إليك لا يلحقون
بك شرعًا – لربما صده ذلك عن الدخول في الإسلام.
قال ابن القيم : " هذا المذهب كما تراه قوةً ووضوحاً ، وليس مع الجمهور أكثر من (الولد للفراش) ، وصاحب هذا المذهب أول قائل به ، والقياس الصحيح يقتضيه".
انتهى من " زاد المعاد " (5/374).

والحاصل :
أن القول بالمنع والجواز قولان معتبران عند أهل العلم ، وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد ، ويبقى النظر في كل واقعة بملابساتها ، فإذا كان الولد يضيع ديناً أو دنياً فالأخذ بالقول بالاستلحاق فيه تحقيق مصلحة حفظه ، وهي مصلحة شرعية .
نسأل الله السلامة والعافية .
وللاستزادة ينظر:
- " فقه الأسرة عند ابن تيمية في الزواج وآثاره " ، رسالة دكتوراة ، محمد بن أحمد الصالح.
- " النسب ومدى تأثير المستجدات العلمية في إثباته "، سفيان بن عمر بورقعة. ( رسالة دكتوراه).
- " نسب ولد الزنا " ، الشيخ عدنان بن محمد الدقيلان ، بحث منشور في " مجلة العدل " ( عدد22).
- " أحكام ولد الزنا " ، إبراهيم بن عبد الله القصيّر ، (بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير).
- " حكم نسبة المولود إلى أبيه من المدخول بها قبل العقد " ، للدكتور عبد العزيز الفوزان.

والله أعلم .

Minggu, 14 Juli 2024

ما يجزئ في النية في الصيام المتتابع

   

السؤال

شيوخنا سؤالي كالآتي: كنت أصوم كفارة ظهار، وعندما وصلت اليوم السادس نسيت تبييت النية من الليل، وقبيل أذان الفجر ب 20 دقيقة عند تناول السحور، حصلت لي مشقة في تحديد النية هل أنوي صيام اليوم الذي أنا فيه، أم أنوي صيام يوم غد، وبقت مشتت الفكر، خصوصا وأن عندي وسواسا، وفي الأخير قلت: (أنا صائم) وتركت الأمر هكذا لم أحدد.
فهل صيامي صحيح -وفقكم الله- وهل أعيد صيام الكفارة من البداية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فدع عنك الوساوس ولا تبال بها، ولا تعرها اهتماما، ثم إن كنت نويت صيام الشهرين في أول صومك -كما هو الظاهر- فيجزئك صومك والحال ما ذكر، ولا تلزمك إعادته، وذلك لأن كثيرا من العلماء قد سهلوا في أمر النية، فرأوا أنه تجزئ في الصيام المتتابع نية واحدة من أول الصوم.

جاء في الموسوعة الفقهية: وذهب زفر ومالك -وهو رواية عن أحمد- أنه تكفي نية واحدة عن الشهر كله في أوله، كالصلاة. وكذلك في كل صوم متتابع، ككفارة الصوم والظهار، ما لم يقطعه، أو يكن على حالة يجوز له الفطر فيها، فيلزمه استئناف النية، وذلك لارتباط بعضها ببعض، وعدم جواز التفريق، فكفت نية واحدة. انتهى.

وإذ أنت مصاب بالوساوس، فيسعك الأخذ بهذا القول، على ما هو مبين في الفتوى رقم: 181305.

وأما على تقدير أنك لم تنو في أول الشهر، فالذي يتبين أن هذا الذي ذكرته ليس إلا محض وسوسة، فعليك أن تتجاهلها وتمضي في صومك، ولا تسترسل معها؛ لأن استرسالك مع هذه الوساوس يفضي بك إلى شر عظيم، وتنظر الفتوى رقم: 51601.

والله أعلم.

إذا قال لزوجته : يا ماما أو يا أختي أو أنت أمي أو أختي


 83386

تاريخ النشر : 13-03-2006

المشاهدات : 127093

السؤال

ما الحكم في أن يقول الزوج لزوجته : يا ماما ؟ هل هذا حرام أو هل يجعل الزوجة محرمة عليه ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

قول الرجل لزوجته أنت أمي أو أختي أو يا ماما يحتمل أن يكون ظهارا ، وألا يكون ، بحسب نيته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) متفق عليه .

والغالب أن الزوج يقول مثل هذه الكلمات على سبيل التلطف والتوقير ، فلا يكون ظهارا ، ولا تحرم الزوجة بذلك على زوجها .

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/6) : " وإن قال : أنت علي كأمي . أو : مثل أمي . ونوى به الظهار , فهو ظهار , في قول عامة العلماء ، وإن نوى به الكرامة والتوقير فليس بظهار . . .

وهكذا لو قال : أنت أمي , أو : امرأتي أمي " انتهى باختصار .

وسئلت "اللجنة الدائمة" : يقول بعض الناس لزوجته : أنا أخوك وأنت أختي ، فما الحكم ؟

فأجابت : " إذا قال الزوج لزوجته : أنا أخوك أو أنت أختي ، أو أنت أمي أو كأمي ، أو أنت مني كأمي أو كأختي ، فإن أراد بذلك أنها مثل ما ذكر في الكرامة أو الصلة والبر أو الاحترام أو لم يكن له نية ولم يكن هناك قرائن تدل على إرادة الظهار ، فليس ما حصل منه ظهارا ، ولا يلزمه شيء .

وإن أراد بهذه الكلمات ونحوها الظهار أو قامت قرينة تدل على الظهار مثل صدور هذه الكلمات عن غضب عليها أو تهديد لها ، فهي ظهار ، وهو محرم ، وتلزمه التوبة وتجب عليه الكفارة قبل أن يمسها ، وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/274).

ثانياً :

كره بعض العلماء أن يقول الرجل لامرأته : يا أمي أو يا أختي ، لما روى أبو داود (2210) أَنَّ رَجُلا قَالَ لامْرَأَتِهِ : يَا أُخَيَّةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُخْتُكَ هِيَ ! فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ ) .

والصواب : أنه لا كراهة في ذلك ، وهذا الحديث لا يصح ، فقد ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود .

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز للرجل أن يقول لزوجته يا أختي بقصد المحبة فقط , أو يا أمي بقصد المحبة فقط .

فأجاب :

" نعم , يجوز له أن يقول لها يا أختي , أو يا أمي , وما أشبه ذلك من الكلمات التي توجب المودة والمحبة , وإن كان بعض أهل العلم كره أن يخاطب الرجل زوجته بمثل هذه العبارات , ولكن لا وجه للكراهة , وذلك لأن الأعمال بالنيات , وهذا الرجل لم ينو بهذه الكلمات أنها أخته بالتحريم والمحرمية , وإنما أراد أن يتودد إليها ويتحبب إليها , وكل شيء يكون سبباً للمودة بين الزوجين , سواء كان من الزوج أو الزوجة فإنه أمر مطلوب " انتهى .

"فتاوى برنامج نور على الدرب" .

والله أعلم .

قول الرجل لامرأته يا بنت هل يعد ظهارا

   

السؤال

هل قول للزوجة يابنت، وليس بنتي بنية ظهار يصير الظهار، وهل توجهك لكلمة من ألفاظ الكناية بنية الطلاق دون أن تؤشر يقع؟ وهل الأعداد لها علاقة بألفاظ الكناية مثل (1) وليس الواحدة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقول الرجل لزوجته (يا بنت) إذا كان يريد بذلك التلطف معها وتدليلها فهذا لا يدخل في الظهار، أما إن أراد بذلك تحريمها فهذا اللفظ كناية في الظهار وهو على حسب نية الزوج.

جاء في الموسوعة الفقهية: والكناية عند جمهور الفقهاء ما يحتمل الظهار وغيره ولم يغلب استعماله في الظهار عرفا، ومثاله أن يقول الرجل لزوجته أنت علي كأمي أو مثل أمي فإن قصد أنها مثلها في الكرامة فلا يكون ظهارا ولا شيء عليه، وإن نوى به طلاقا كان طلاقا، وإن نوى به الظهار كان ظهارا. اهـ.

وأما بقية السؤال فلم يتضح لنا مراده فالرجاء التوضيح.

والله أعلم.

هل يعد الزوج مظاهرا إن قال لامرأته يا بنتي

   

السؤال

قلت هذه العبارة ( أنت بنتي ) قاصدا زوجتي ولم أكن أقصد أي شيء وإنما قلته تقريبا فرارا كي أشغل نفسي وأتلهى عن أمر داخل نفسي وهي لم تكن موجودة معي بل هي في بلدة أخرى وبعد أن تكلمت بهذا اللفظ تذكرت وانتبهت أن هذا اللفظ من ألفاظ الظهار؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالظهار لا ينعقد إلا بلفظ صريح أو كناية مع النية وبناء على ذلك فإن كنت لم تنو الظهار بقولك لزوجتك [ أنت بنتي ] فلا يلزمك شيء ولكنك قد أقدمت على أمر مكروه في الشرع قال ابن قدامة في المغني:

يكره أن يسمي الرجل امرأته بمن تحرم عليه, كأمه, أو أخته, أو بنته; لما روى أبو داود, بإسناده عن أبي تميمة الهجيمي, { أن رجلا قال لامرأته : يا أخية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أختك هي, فكره ذلك , ونهى عنه . } ولأنه لفظ يشبه لفظ الظهار . ولا تحرم بهذا , ولا يثبت حكم الظهار ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له : حرمت عليك . ولأن هذا اللفظ ليس بصريح في الظهار ولا نواه به , فلا يثبت التحريم انتهى.

وراجع المزيد في الفتوى رقم: 133799.

والله أعلم .

Sabtu, 13 Juli 2024

الفرق بين حكم ابتلاع النخامة وأثره في الصوم وبين ابتلاع الحصاة .


 208210

السؤال

ذكرتم في الفتوى رقم : (12597) أن ابتلاع المخاط لا يفسد الصوم ؛ لأن ذلك ليس من قبيل الأكل والشرب ، غير أنكم ذكرتم في الفتوى رقم : (78479) ، أن ابتلاع أي شيء يفسد الصوم ، سواء كان ذلك طعاماً وشراباً أم غيره ، حتى وان كان قطعة نقود ، فأنا محتار حقيقة . وما الحكم في حال ابتلاع المخاط النازل من الأنف أو البلغم متعمداً ، هل يفسد الصيام ؟

الجواب

الحمد لله.

الراجح من كلام أهل العلم أن ابتلاع النخامة لا يفسد الصوم كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (172499) , ولا ينافي هذا أن الصوم يبطل بابتلاع كل شيء ولو لم يكن طعاما كالحصاة ونحوها .
جاء في " الحاوي الكبير " (3 /456) :" قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن بلع حصاة أو ما ليس بطعام أو احتقن أو داوى جرحه حتى يصل إلى جوفه أو استعط حتى يصل إلى جوف رأسه فقد أفطر إن كان ذاكرا ولا شيء عليه إذا كان ناسيا ".
قال الماوردي: وهذا صحيح إذا ابتلع طعاما أو شرابا، أو ما ليس بطعام ، ولا شراب كدرهم أو حصاة ، أو جوزة أو لوزة ، فقد أفطر بهذا كله ووجب عليه القضاء ، إذا كان عامدا ذاكرا لصومه وإن كان ناسيا، فهو على صومه" انتهى .
وقد سبق بيان هذه المسألة في الفتوى رقم : (78479) .
ووجه عدم المنافاة : أن النخامة من داخل البدن وهي من أصل الخلقة فإذا ابتلعها الإنسان لا يصدق عليه أنه ابتلع شيئا من الخارج , بخلاف الحصاة ونحوها من أخذها وابتلعها فقد أخذ شيئا من خارج البدن فيبطل به الصيام :
" قال ابن حبيب : من تنخم ثم ابتلع نخامته من بين لهواته ، أو من بعد فصولها إلى طرف لسانه : فلا شيء عليه ، وقد أساء ؛ لأن النخامة ليست بطعام ولا شراب ، ومخرجها من الرأس.
وقال الباجي : وجه قول ابن حبيب : أنه لم يتعمد أخذه من الأرض ، وإنما هو مجتمع في فيه معتاد ، كالريق ، إلا أنه يكره ابتلاعه لإمكان الانفكاك عنه ، بخلاف الريق " .
انتهى من "التاج والإكليل" (2/426) .

والمخاط الذي يكون في الأنف من استشمه بأنفه فأدخله فمه فابتلعه فإنه لا يفطر على الراجح , جاء في " تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق " (1 / 324): " ولو استشم المخاط من أنفه حتى أدخله إلى فمه وابتلعه عمدا لا يفطر" انتهى .

وفي " البحر الرائق شرح كنز الدقائق " (2 / 294) : " الصائم إذا دخل المخاط أنفه من رأسه ثم استشمه ودخل حلقه على تعمد منه لا شيء عليه ؛ لأنه بمنزلة ريقه إلا أن يجعله على كفه ثم يبتلعه فيكون عليه القضاء ، وفي الظهيرية وكذا المخاط والبزاق يخرج من فيه أو أنفه فاستشمه واستنشقه لا يفسد صومه " انتهى .

على أنه قد سبق التنبيه إلى أن "النخامة" من المستقذر عادة : وليس له ابتلاعها ، عند القدرة على إخراجها .
وقد نص غير واحد من أهل العلم على مراعاة خلاف من أبطل الصوم بابتلاعها ، لعدم المشقة في مراعاة ذلك .
قال العلامة الشرنبلالي الحنفي رحمه الله :
" وفي الحجة : سئل إبراهيم عمن ابتلع بلغما ؟
قال : إن كان أقل من ملء فيه : لا ينقض إجماعا [ يعني : من الأحناف ] .
وإن كان ملء فيه : ينقض صومه عند أبي يوسف ، وعند أبي حنيفة : لا ينقض . وينبغي إلقاء النخامة حتى لا يفسد صومه ، على قول الإمام الشافعي ؛ كما نبه عليه العلامة ابن الشحنة ، ليكون صومه صحيحا بالاتفاق ، لقدرته على مجها " .
انتهى من "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (246) .

والله أعلم.

حكم إدخال الإصبع في الأنف لتنظيفه من المخاط ودفعه للداخل للصائم

   

السؤال

يا شيخ: يبدو لي أنكم لم تفهموا قصدي بالسؤال الذي أرسلته لكم سابقا؛ حيث أرسلتم لي فتاوى ليس لها علاقة بسؤالي تتحدث عن ما لا يبطل الصوم، فالفتوى الثانية، السائل فيها يسأل عن بطلان الوضوء بإدخال الأصبع في الأنف وليس عن بطلان الصوم، والفتوى الثالثة مضمونها الوسواس، وكي أعرض عن الوسواس يجب أن أعرف أحكام الأشياء التي تأتيني وأفكر فيها، وسؤالي كان كالتالي: هل إدخال الأصبع في الأنف لتنظيف الوسخ الذي فيه ـ أعزك الله ـ يفطر، حيث أحيانا يتم إدخال الأصبع ويتم دفع ما فيه إلى الداخل ويصعب إخراجه، فهل دفعه إلى الداخل يمكن أن يصل إلى الجوف ويفطر؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

من المعلوم أن المخاط مادام في الأنف؛ سواء كان يابسا أو لا، فهو غير مفطر، وغير مطلوب من الإنسان أن يجتهد في إخراج ما هو عالق من بقاياه بداخل أنفه مما لا يسهل خروجه، بل يتركه، فإن وصل إلى الحلق بعد ذلك وابتلعه الإنسان مع إمكانية طرحه فهنا محل الخلاف بين العلماء، فبعضهم قال إنه يفسد الصوم، وبعضهم قال لا يفسده، وهذا القول الأخير رجحه جمع من أهل العلم، وقد ذكرنا ذلك في فتاوى سابقة، وجاء في درر الحكام شرح غرر الأحكام: لَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ إلَى فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ. اهـ.

والله أعلم.

هل يفطر الصائم إن سحب المخاط إلى داخل فمه وابتلعه

   

السؤال

ما حكم سحب المخاط من الأنف إلى الحلق وبلعه؟ وهل يفطر في حالة ما إذا كان المخاط داخل الأنف وتم بلعه عن طريق سحبه إلى الحلق دون بذل أي مجهود لإخراجه، وفي الحالة ما إذا خرج المخاط إلى خارج الأنف وتم سحبه إلى الحلق وبلعه دون بذل أي مجهود أيضاً؟ وما حكم سحبه من الأنف إلى الفم وبلعه عمدا وهل يفطر؟ وإذا كان يفطر بهذه الطريقة التي قلتها فأرجو أن تعطوني دليلا.
وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبالنسبة لسحب المخاط من الأنف إلى داخل الفم وابتلاعه ـ عمدا ـ سواء وصل المخاط إلى خارج الأنف أم لا؟ فمختلف في حكمه، فقد قال بعض أهل العلم أنه غير مبطل للصيام, خلافا للبعض الآخر, جاء في الدر المختار وهو حنفي: أو دخل أنفه مخاط فاستشمه فدخل حلقه، وإن نزل لرأس أنفه كما لو ترطب شفتاه بالبزاق عند الكلام ونحوه فابتلعه، أو سال ريقه إلى ذقنه كالخيط ولم ينقطع فاستنشقه ولو عمدا، خلافا للشافعي في القادر على مج النخامة فينبغي الاحتياط. انتهى.

وفي حاشية ابن عابدين على الدر المختار: قوله: أو دخل أنفه، الأولى أو نزل إلى أنفه، قوله: وإن نزل لرأس أنفه، ذكره في الشرنبلالية أخذا من إطلاقهم، ومن قولهم بعدم الفطر ببزاق امتد ولم ينقطع من فمه إلى ذقنه ثم ابتلعه بجذبه، ومن قول الظهيرية: وكذا المخاط والبزاق يخرج من فيه وأنفه فاستشمه واستنشقه لا يفسد صومه. اهـ.

وراجعي المزيد من كلام أهل العلم في هذه المسألة, وذلك في الفتوى رقم: 185461.

أما إذا كان ابتلاع المخاط من غير قصد, فإنه لا يبطل الصيام, كما سبق في الفتوى رقم: 180227.

والله أعلم.

Jumat, 14 Juni 2024

لا حرج في إخراج الكفارة على دفعات

   

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
بالنسبة لمن عليه كفارة إطعام ستين مسكينا، هل يتوجب عليه إطعامهم دفعة واحدة؟ أم يجوز له إطعام القليل ثم القليل إلى أن ينتهي من إطعام الستين؟
و جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنه لا حرج عليك -إن شاء الله- في إخراج الكفارة على دفعات، بحيث تطعم من استطعت إطعامه من مساكين، ثم تكمل الباقي في وقت آخر؛ بدليل ما ذكره ابن قدامة في المغني قائلاً: ولا يجب التتابع في الإطعام، نص عليه أحمد في رواية الأثرم. وقيل له: تكون عليه كفارة يمين فيطعم اليوم واحدًا وآخر بعد أيام وآخر بعد، حتى يستكمل عشرة؟ فلم ير بذلك بأسًا، وذلك لأن الله تعالى لم يشترط التتابع. اهـ ويمكنك الرجوع إلى الفتوى رقم: 26581. والله أعلم.